تعودت فى الفترة الأخيرة على أنباء أصبحت عادية بالنسبة للكثيرين ، أنباء مفجعة ومؤلمة وصادمة للبعض ، آخر هذه الأخبار غرق خمسين شاب مصر أمام شواطئ ليبيا فى أثناء محاولتهم الهروب من جحيم فرعون وحاشيته فى مصرنا الحبيبة ، شباب كان كل أملهم أن يعاملوا كبشر وبني آدمين لهم حقوق فى الحياة ، ولكن حتى هذا الحق كان كثيراً عليهم.
حاولت أن أضع نفسي بدلاً من هؤلاء الشباب ، حاولت أن أتخيل شريط حياته السريع كى اعلم أو أشعر بكل ماشعر به فى سنوات حياته التى لم تتجاوز الخمسة وعشرين عاماً ، سميت نفسى محمد أو ابراهيم أو وليد ، لا يهم ، تخيلت نفسى مولوداً وسط أسرة بسيطة ، ليست فقيرة ، مستورة كمعظم الشعب المصري ، الاب موظف بسيط غلبان ، مطحون من أجل أولاده ، ليعلمهم أحسن تعليم ويربيهم أحسن تربية ، الام ممكن تكون موظفة هى كمان ، كل مرتبها بتعمله جمعيات عشان تساعد الاب على المصاريف ، أو ممكن تكون ست بيت بتحاول تساعد برضه وتمشى البيت على قد ماهية جوزها ، عدت السنين بحلوها ومرها ، بس مرها كان اكتر بكتير ، كام مرة كان نفسى فى حاجة ومقدرتش اجيبها ، كام مرة بصيت لواحد غيرى معاه فلوس اكتر منى وبيلبس احسن لبس وبياكل أحسن لبس ، بس مش مهم ، المهم بكرة ، بكرة باذن الله هايكون احلى ومافيهوش تعب ، وكبرت واتخرجت من كلية محترمة ، او يمكن معايا دبلوم صناعى او زراعى او تجارى لان ابويا مش قد مصاريف الثانوى والكليات ، او يمكن عاوز اساعد اهلى من بدرى ، دورت على وظايف كتير عن حاجة كويسة اقدر بيها ابنى نفسى ومستقبلى ، اساعد اهلى واردلهم الجميل ، نفسى اشوف الفرحة فى عين أبويا والراحة فى عين أمى ، بس مش لاقى ، الموجود اقل منى ومش هايساعدنى ولا هايدينى حاجة ، ناس بتحاول تذلنى وتمسح بكرامتى الارض ، وناس تانية بتتنطط عليا عشان معاها فلوس ومركز ، ووظايف تانية رفضتنى عشان ابويا مش الباشا فلان ولا عمى البيه علان ، ومش معايا فلوس ادفع لحد يلزقنى فى اى وظيفة والسلام ، اعمل ايه ؟ الدنيا متقفلة فى وشى ، مش عارف اروح فين ولا اجى منين ، لو انا انسان مش كويس كان زمانى سرقت ولا نهبت ولا بقيت بلطجى ولا تاجر مخدرات ، بس بفتكر اهلي واقول حرام اعمل فيهم كده ، هاقابل ربنا ازاى لو مت فى اى لحظة وسالنى " عبدى أأمرتك بهذا؟ " ، فضلت على الحال ده لغاية لما عرفت ان فيه ناس بتسافر بره وترجع مبسوطة معاها فلوس ، قابلت واحد من دول قالى انا تعبت وطلع عينى ، اشتغلت فى كل حاجة هناك ، مسحت صحون ونضفت حمامات عشان اوصل وابقى حاجة ، والناس هناك مش بتبصلى على انى انسان وحش لما اعمل كده ، لا، الناس هناك بتعاملنى زى البنى آدمين ، هناك محدش بيذل حد ، هناك محدش احسن من حد ، هناك بيحاسبوا الحكومة ورئيس الدولة بيشتغل عندى ومن حقى اوقفه فى الشارع واحاسبه ، بايدى اقعده فى منصبه وبايدى اشيله ، مش زى هنا مش عارفين نقول حاجة ولا نعمل حاجة ، قلتله طب انا عاوز اسافر ، عاوز اهرب ، عاوز اعيش ، قالى قدام الطريق القانونى ، تطلع تأشيرة وتدفع تمن التذكرة ، ويكون معاك مبلغ فى جيبك لانك مش هاتقعد طرزان ، ومحدش هايصرف عليك هناك ، قلتله واجيب كل الفلوس دى منين ، انا يادوبك عارف اعيش ، قالى يبقى قدامك الطرق الصعب ، هو ارخص صحيح بس زيك زى اللى بيدفع فلوس ، بس المشكلة انك ممكن تتمسك وترجع تانى ، بس وانت وشطارتك ، وانا اقدر اساعدك وادلك على واحد يقدر يسفرك بره بالشكل ده.
ورحت لواحد قالى انا بسفرالشباب عن طريق ليبيا ، بيسافروا الاول ليبيا وبعدين مركب بتاخدهم وتسافر بيهم ، هاتدفع مبلغ قليل بس اسمك هاتسافر وتسيب البلد.
لميت المبلغ بكل وسيلة ، يمكن ابويا عمل جمعيات ويمكن باع ارض ولا جاموسة بنعيش من خيرها ، ويمكن امى باعت كل حاجة حيلتها ، ويمكن استلفت من اخويا ولا واحد قريبى وصاحبى ، مانا هارجعلهم بفلوس اكتر من دى بكتير وهاعوضهم ، ودفعت الفلوس ، وجه اليوم اللى هاسيب فيه البلد اللى عمرى ما شفت فيها يوم حلو من ساعة لما اتولدت ، ودعت ابويا وامى واخواتى وصحابى وحبايبى الوداع الاخير وكأنى حاسس انى مش هاشوفهم تانى ، مش مهم ، المهم مارجعش لجحيم فرعون ده تانى .
وصلت المركب اللى هاتاخدنى لارض الاحلام ، الارض اللى مستعد اشقى واتعب فيها بس محدش يذلنى ، لقيت مركب قديم صغير تعبان ، وكلنا ملمومين فى حتة ضيقة ، والدنيا ضلمة والبحر عالى ، مسكت فى شنطتى اللى فيها كل حاجاتى القليلة ودعيت وقلت يارب نوصل بالسلامة ، واللى حواليا زيى يمكن اصغر ويمكن اكبر ، بس كلهم زيى عاوزين يهربوا من معتقل كنا قاعدين فيه ، ومشينا قد ما مشينا فى البحر وفجأة حسينا ان فيه حاجة غلط ، المية بتدخل علينا والناس بتجرى فوق وبتصرخ ، اكتشفنا ان المركب بتغرق ، المصيبة ان المركب مافيهاش لا مراكب نجاة ولا اطواق نجاة ولا حد عارف اصلا اننا خارجين ومسافرين ، والمصيبة الادهى ، انا مابعرفش اعوم!!! ، قعدنا نقول يارب ارحمنا ، يارب نجينا ، بس خلاص المية حواليا من كل مكان ، مية باردة وسودا محاوطانى من كل حتة ، وخنقة بدأت تمسك فى قلبى وتعصره ، عدى عليا شريط حياتى ، افتكرت ابويا وامى ، افتركت احلامى وطموحاتى اللى اتقتلت بكل بساطة لانى عايش فى مصر ، والدنيا ظلمت ، وانتهت الحكاية.
مارويته سابقاً من خيالى الخاص ، ولا اعلم أياً ممن قضوا نحبهم غرقاً من الشباب المصري ، ولكنى وضعت نفسى مكانهم ، ولا اجد ما اقوله ، فماذا يقال ؟ ، شباب فضل الموت الحقيقى بدلاً من العيش كالموتى الأحياء فى بلد تقتل كل شئ جميل ، فضلوا الهرب فى سفن العبيد ، نعم هى سفن العبيد التى كانت تنقل العبيد من افريقيا للعالم الجدي ، نفس الظروف ونفس الطريقة ، ولا يهم من مات جوعا او عطشا او مرضا ، ولكن الفرق ان العبيد كانوا مجبرين ، أما هؤلاء الشباب فهم مخيرين ، ولكن الاختيار الصعب والمستحيل ، فإما البحر وما وراء البحر من ارض تكرم البشر وتعاملهم كبشر ، واما العودة لبلد الفراعنة التى كرست لعبادته .
حسبى الله ونعم الوكيل فى كل من تسبب فى غرق هؤلاء الشباب ، حسبى الله ونعم الوكيل فى كل من قامر بأرواح هؤلاء الشباب ، حسبى الله ونعم الوكيل فينا – نعم فينا نحن – لاننا سكتنا وصمتنا ومازلنا صامتون ، تحولنا لموتى أحياء تأكل وتعيش بلا روح ، مغيبين منومين مغناطيساً بإرادتنا ، نستحق كل ما يحدث فينا ، واتمنى أن يزداد علينا الهم والبؤس والفقر والخراب لاننا عبدنا فرعون وصدقنا كلام حاشيته .
عذراً لقسوة الكلمات ، ولكن ماحدث لكل هؤلاء الشباب ، وما يحدث لكل شباب هذه البلد الظالم أهلها هو اقسى وأمر بكثير من مجرد كلمات.
حاولت أن أضع نفسي بدلاً من هؤلاء الشباب ، حاولت أن أتخيل شريط حياته السريع كى اعلم أو أشعر بكل ماشعر به فى سنوات حياته التى لم تتجاوز الخمسة وعشرين عاماً ، سميت نفسى محمد أو ابراهيم أو وليد ، لا يهم ، تخيلت نفسى مولوداً وسط أسرة بسيطة ، ليست فقيرة ، مستورة كمعظم الشعب المصري ، الاب موظف بسيط غلبان ، مطحون من أجل أولاده ، ليعلمهم أحسن تعليم ويربيهم أحسن تربية ، الام ممكن تكون موظفة هى كمان ، كل مرتبها بتعمله جمعيات عشان تساعد الاب على المصاريف ، أو ممكن تكون ست بيت بتحاول تساعد برضه وتمشى البيت على قد ماهية جوزها ، عدت السنين بحلوها ومرها ، بس مرها كان اكتر بكتير ، كام مرة كان نفسى فى حاجة ومقدرتش اجيبها ، كام مرة بصيت لواحد غيرى معاه فلوس اكتر منى وبيلبس احسن لبس وبياكل أحسن لبس ، بس مش مهم ، المهم بكرة ، بكرة باذن الله هايكون احلى ومافيهوش تعب ، وكبرت واتخرجت من كلية محترمة ، او يمكن معايا دبلوم صناعى او زراعى او تجارى لان ابويا مش قد مصاريف الثانوى والكليات ، او يمكن عاوز اساعد اهلى من بدرى ، دورت على وظايف كتير عن حاجة كويسة اقدر بيها ابنى نفسى ومستقبلى ، اساعد اهلى واردلهم الجميل ، نفسى اشوف الفرحة فى عين أبويا والراحة فى عين أمى ، بس مش لاقى ، الموجود اقل منى ومش هايساعدنى ولا هايدينى حاجة ، ناس بتحاول تذلنى وتمسح بكرامتى الارض ، وناس تانية بتتنطط عليا عشان معاها فلوس ومركز ، ووظايف تانية رفضتنى عشان ابويا مش الباشا فلان ولا عمى البيه علان ، ومش معايا فلوس ادفع لحد يلزقنى فى اى وظيفة والسلام ، اعمل ايه ؟ الدنيا متقفلة فى وشى ، مش عارف اروح فين ولا اجى منين ، لو انا انسان مش كويس كان زمانى سرقت ولا نهبت ولا بقيت بلطجى ولا تاجر مخدرات ، بس بفتكر اهلي واقول حرام اعمل فيهم كده ، هاقابل ربنا ازاى لو مت فى اى لحظة وسالنى " عبدى أأمرتك بهذا؟ " ، فضلت على الحال ده لغاية لما عرفت ان فيه ناس بتسافر بره وترجع مبسوطة معاها فلوس ، قابلت واحد من دول قالى انا تعبت وطلع عينى ، اشتغلت فى كل حاجة هناك ، مسحت صحون ونضفت حمامات عشان اوصل وابقى حاجة ، والناس هناك مش بتبصلى على انى انسان وحش لما اعمل كده ، لا، الناس هناك بتعاملنى زى البنى آدمين ، هناك محدش بيذل حد ، هناك محدش احسن من حد ، هناك بيحاسبوا الحكومة ورئيس الدولة بيشتغل عندى ومن حقى اوقفه فى الشارع واحاسبه ، بايدى اقعده فى منصبه وبايدى اشيله ، مش زى هنا مش عارفين نقول حاجة ولا نعمل حاجة ، قلتله طب انا عاوز اسافر ، عاوز اهرب ، عاوز اعيش ، قالى قدام الطريق القانونى ، تطلع تأشيرة وتدفع تمن التذكرة ، ويكون معاك مبلغ فى جيبك لانك مش هاتقعد طرزان ، ومحدش هايصرف عليك هناك ، قلتله واجيب كل الفلوس دى منين ، انا يادوبك عارف اعيش ، قالى يبقى قدامك الطرق الصعب ، هو ارخص صحيح بس زيك زى اللى بيدفع فلوس ، بس المشكلة انك ممكن تتمسك وترجع تانى ، بس وانت وشطارتك ، وانا اقدر اساعدك وادلك على واحد يقدر يسفرك بره بالشكل ده.
ورحت لواحد قالى انا بسفرالشباب عن طريق ليبيا ، بيسافروا الاول ليبيا وبعدين مركب بتاخدهم وتسافر بيهم ، هاتدفع مبلغ قليل بس اسمك هاتسافر وتسيب البلد.
لميت المبلغ بكل وسيلة ، يمكن ابويا عمل جمعيات ويمكن باع ارض ولا جاموسة بنعيش من خيرها ، ويمكن امى باعت كل حاجة حيلتها ، ويمكن استلفت من اخويا ولا واحد قريبى وصاحبى ، مانا هارجعلهم بفلوس اكتر من دى بكتير وهاعوضهم ، ودفعت الفلوس ، وجه اليوم اللى هاسيب فيه البلد اللى عمرى ما شفت فيها يوم حلو من ساعة لما اتولدت ، ودعت ابويا وامى واخواتى وصحابى وحبايبى الوداع الاخير وكأنى حاسس انى مش هاشوفهم تانى ، مش مهم ، المهم مارجعش لجحيم فرعون ده تانى .
وصلت المركب اللى هاتاخدنى لارض الاحلام ، الارض اللى مستعد اشقى واتعب فيها بس محدش يذلنى ، لقيت مركب قديم صغير تعبان ، وكلنا ملمومين فى حتة ضيقة ، والدنيا ضلمة والبحر عالى ، مسكت فى شنطتى اللى فيها كل حاجاتى القليلة ودعيت وقلت يارب نوصل بالسلامة ، واللى حواليا زيى يمكن اصغر ويمكن اكبر ، بس كلهم زيى عاوزين يهربوا من معتقل كنا قاعدين فيه ، ومشينا قد ما مشينا فى البحر وفجأة حسينا ان فيه حاجة غلط ، المية بتدخل علينا والناس بتجرى فوق وبتصرخ ، اكتشفنا ان المركب بتغرق ، المصيبة ان المركب مافيهاش لا مراكب نجاة ولا اطواق نجاة ولا حد عارف اصلا اننا خارجين ومسافرين ، والمصيبة الادهى ، انا مابعرفش اعوم!!! ، قعدنا نقول يارب ارحمنا ، يارب نجينا ، بس خلاص المية حواليا من كل مكان ، مية باردة وسودا محاوطانى من كل حتة ، وخنقة بدأت تمسك فى قلبى وتعصره ، عدى عليا شريط حياتى ، افتكرت ابويا وامى ، افتركت احلامى وطموحاتى اللى اتقتلت بكل بساطة لانى عايش فى مصر ، والدنيا ظلمت ، وانتهت الحكاية.
مارويته سابقاً من خيالى الخاص ، ولا اعلم أياً ممن قضوا نحبهم غرقاً من الشباب المصري ، ولكنى وضعت نفسى مكانهم ، ولا اجد ما اقوله ، فماذا يقال ؟ ، شباب فضل الموت الحقيقى بدلاً من العيش كالموتى الأحياء فى بلد تقتل كل شئ جميل ، فضلوا الهرب فى سفن العبيد ، نعم هى سفن العبيد التى كانت تنقل العبيد من افريقيا للعالم الجدي ، نفس الظروف ونفس الطريقة ، ولا يهم من مات جوعا او عطشا او مرضا ، ولكن الفرق ان العبيد كانوا مجبرين ، أما هؤلاء الشباب فهم مخيرين ، ولكن الاختيار الصعب والمستحيل ، فإما البحر وما وراء البحر من ارض تكرم البشر وتعاملهم كبشر ، واما العودة لبلد الفراعنة التى كرست لعبادته .
حسبى الله ونعم الوكيل فى كل من تسبب فى غرق هؤلاء الشباب ، حسبى الله ونعم الوكيل فى كل من قامر بأرواح هؤلاء الشباب ، حسبى الله ونعم الوكيل فينا – نعم فينا نحن – لاننا سكتنا وصمتنا ومازلنا صامتون ، تحولنا لموتى أحياء تأكل وتعيش بلا روح ، مغيبين منومين مغناطيساً بإرادتنا ، نستحق كل ما يحدث فينا ، واتمنى أن يزداد علينا الهم والبؤس والفقر والخراب لاننا عبدنا فرعون وصدقنا كلام حاشيته .
عذراً لقسوة الكلمات ، ولكن ماحدث لكل هؤلاء الشباب ، وما يحدث لكل شباب هذه البلد الظالم أهلها هو اقسى وأمر بكثير من مجرد كلمات.